بمشاركة المثقف "غازى عوض الله".. الكاتب الصحفى: مصطفى عمارة يطرح مبادرة لرأب الصدع بين مصر والسعودية
فى تلك الظروف الحساسة والمصيرية التى تجتازها المنطقة العربية والتى تهدد بتقسيمها إلى دويلات طبقا للمخطط "الأمريكى/ الصهيونى" اتجهت أنظار الجماهير العربية إلى كل من مصر والسعودية، باعتبارهما آخر قلاع الأمة العربية لمواجهة تلك المؤامرة الشيطانية، والتى لا تشارك فيها فقط كل من أمريكا وإسرائيل، بحسب، بل دول إقليمية ودولية على رأسها إيران وتركيا.
وبدلًا من اتجاه الدولتان إلى الوحدة والتلاحم والتنسيق فيما بينهما، لمواجهة تلك المؤامرة خاصة بعد تقسيم العراق وسوريا واليمن وليبيا، اندلعت الخلافات بينهما، ووصلت إلى الذروة بعد حكم المحكمة المصرية بأحقية مصر فى جزيرتى تيران وصنافير ولا نقطع لم يكن هذا الخلاف مفاجئًا.
بل أن الشواهد والمواقف تؤكد أن هذا الخلاف بدأ مع وصول الملك سلمان للحكم، وظهور توجهات جديدة للنظام السعودى قائمة على تجميع كل القوى والتيارات الإسلامية والسنية فى المنطقة لمواجهة التمدد الإيرانى الرامى إلى تكوين إمبراطورية شيعية، لا تقتصر فقط على الهلال الشيعى لبلاد الشام، بل يمتد هذا المخطط إلى السعودية نفسها إلا أن مصر لم تشارك النظام السعودى فى تلك التوجهات فرفضت التقارب مع تركيا، والمصالحة مع الإخوان، كما رفضت فكرة الإطاحة بالنظام السورى فى ظل وجود جماعات مسلحة يمكن أن تؤدى إلى تقسيم سوريا.
إذا كان حرص مصر على عدم تقسيم سوريا أمر مشروع باعتبار أن سوريا جزء لا يتجزأ من الأمن القومى المصرى، وضرورة حتمية أى مواجهة قادمة مع العدو الصهيونى، فإنه فى المقابل لم يكن النظام المصرى محقا فى رفض وساطة العاهل السعودى لتحقيق التقارب مع تركيا، وكان يمكن استغلال مناسبة المؤتمر الإسلامى والذى عقد فى تركيا، والتى كانت تترأس مصر أعماله لعقد لقاء بين الرئيس السيسى، وأردوغان بوساطة سعودية، ولا شك أن هذا اللقاء كان يمكن أن يثمر عن نتائج إيجابية فى علاقات البلدين، فالسياسة لا يوجد بها عدو دائم أو صديق دائم بل مصالح دائمة، إلا أن النظام المصرى اكتفى بإرسال وزير الخارجية، والذى غادر تركيا مباشرة بعد إلقاء كلمته مهدرا فرصة كانت ستحفظ كرامة مصر وتحقق مصالحها، كما أن الأحداث التى تشهدها مصر حاليا تؤكد يوما بعد اليوم أن المصالحة الوطنية مع كافة الأطراف أصبحت ضرورة حتمية لتحقيق الاستقرار اللازم لتحقيق التنمية.
أما الذين يعارضون تلك المصالحة، فاعتقد أنهم ينطلقون من مصالح ذاتية، وليس مصالح الوطن، أما بالنسبة لقضية تيران وصنافير فاننى لا أناقش قضية تبعية تلك الجزيرتين لأى من الدولتين لأنه لا فرق بين مصر والسعودية، فكلنا وطن واحد، إلا أن المشكلة فى توقيع النظام المصرى تلك الاتفاقية فى إطار صفقة لمساعدات اقتصادية كبيرة تقدم إلى مصر وهو الأمر الذى فسرته بعض القوى على تنازل النظام المصرى لجزء من التراب الوطنى مقابل مساعدات مالية.
وهكذا أوقع النظام المصرى نفسه فى مأزق خطير ما بين غضب شعبى، إذا سلم الجزيرتين للسعودية، وغضب الأشقاء فى حالة رفض تسليمهما، وكما أخطأت مصر فى عدد من المواقف أدت إلى تدهور العلاقات المصرية السعودية فى الوقت الذى هم أحوج ما يكونا إلى الوحدة والتلاحم لمواجهة المؤامرات التى تحاك ضدهما وضد دول المنطقة، وقد أخطأ أيضا النظام السعودى بتقليص المساعدات الاقتصادية إلى مصر ردا على مواقف النظام المصرى، وهو ما لم يحدث فى تاريخ أنظمة الحكم فى السعودية المتعاقبة بدء من إنشاء المملكة على يد المغفور له الملك عبدالعزيز، وحتى الملك عبدالله، وحتى الوقت الذى قطعت فيه العلاقات بين البلدين بعد معاهدة كامب ديفد، حيث زاد الملك فهد من دعمه لمصر فالحكام زائلون أما الشعوب فتبقى والشدائد وحدها هى التى تكشف صدق المواقف فجرح العدو يصيب الجسد أما جرح الصديق فهو يدمى القلب وعلى المسؤلين فى السعودية أن يدركوا أن مصر هى السند الحقيقى للسعودية وأن الشعب المصرى بلا استثناء مستعد كله للتضحية من أجل تراب المملكة ولا شك أن تلك الأزمة، والتى تهدد أمن المنطقة كلها بصفة عامة وأمن الدولتان بصفة خاصة تتطلب من الدولتان وقفة مع النفس، لإعادة تقييم العلاقات وكيفية إدارتها للاستفادة من دروس الماضى لبناء علاقات راسخة فى المستقبل، لا تهددها المواقف أو أهواء الحكام، واعتقد أن ذلك يتطلب عقد اجتماع قمة بين الملك سلمان والرئيس السيسى والمسئولين فى كلا البلدين لوضع إستراتيجية جديدة لمواجهة مستجدات المنطقة تشمل كيفية إدارة الخلافات وتوزيع المواقف بما يحقق المصالح المشتركة فضلا عن حوار مجتمعى تشارك فيه مؤسسات المجتمع المدنى لترسيخ التعاون الاقتصادي بين البلدين بما يعكس عن العلاقات بينهما فضلا عن ضرورة وقف الحملات الإعلامية، والتى تحاول من خلالها بعض الأطراف تحقيق أجندات خاصة وخارجية على حساب العلاقات بين البلدين.
ومن منطلق حرصنا على تلك العلاقات فلقد قمت بوضع أسس لمبادرة تشارك فيها شخصيات من منظمات المجتمع المدنى من خلال صالون غازى الثقافى، والذى يترأسه المثقف والمفكر السعودى غازى عوض الله، تسافر إلى السعودية لمقابلة المسئولين السعوديين لطرح تلك المبادرة التى تقوم على أسس ثلاثة
- إدارة حوار بين المسئولين فى البلدين وشخصيات من منظمة المجتمع المدنى لكيفية إدارة الخلافات بين البلدين، 2- وقف الحملات الإعلامية المتبادلة، 3- ألا تؤثر الخلافات على المصالح الاقتصادية بين البلدين.
واليوم وفى تلك الظروف الحساسة والمصيري، فإننى أعيد طرح تلك المبادرة على المسئولين فى البلدين لعلها تجد آذان صاغية من المسئولين فى البلدين لإعادة رسم العلاقات بين البلدين بما يتلائم مع الروابط الدينية والتاريخية والإستراتيجية التى تربط بينهما.
















