الجمعة, 04 يونيو 2021 10:02 مساءً 0 500 0
سوانح.. بقلم... السعيد عبد العاطي مبارك الفايد
سوانح.. بقلم... السعيد عبد العاطي مبارك الفايد
ساعة مع بشار بن برد
عمِيتُ جَنِينا والذكاءُ من العَمَى * فجئتُ عجيبَ الظن للعِلم مَعْقِلا ٠
يا قَومُ أُذني لِبعَضِ الحَيِّ عاشِقَةٌ * وَالأُذنُ تَعشَقُ قَبلَ العَينِ أَحيانا
قالوا بِمَنْ لا تَرَى تَهذي فقلتُ لهم * الأُذْنُ كالعَينِ تُوفي القَلبَ ما كانا ٠
وذات دل كأن البدر صورتها باتت تغني عميد القلب سكرانا
ان العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلان ٠
من راقب الناس لم يظفر بحاجته وفاز بالطيبات الفاتك اللهج ٠
المرء يحيا بلا ساق ولا عضد ولا يعيش بلا قلب ولا أدب ٠
إِنَّ الوَداعَ مِنَ الأَحبابِ نافِلَةٌ * لِلظاعِنينَ إِذا ما يَمَّموا بَلَدا ·
وَلَستُ أَدري إِذا شَطَّ المَزارُ بِهِم * هَل تَجمَعُ الدارُ أم لا نَلتَقي أَبَدا.
* وقال صاحب الأغاني أبو فرج الأصفهاني:
ما قال أحد أحسن من هذا التشبيه، فكيف جاء به بشار وصور أحداث المعركة وميَّزالألوان وهو لم ير الدنيا قط؟!٠ وجوابنا هو تمكنه من اللغة العربية فقد تربى على الفصاحة والبلاغة والبيان عند بني عقيل، بالإضافة إلى محفوظه الشعري الكبير، وسعة خياله وثقافته الواسعة :
كأن مثار النقع فوق رءوسنا * وأسيافنا ليل تهاوى كوكبه.
وقال عن الظلم وصفا بليغا :
الظلمُ طبعٌ ولولا الشرُّ ما حمدتْ، في صنعةِ البيضِ لا هندٌ ولا يمنُ.
-----
وقال في مداعبة عن خادمته ربابة :
رَبابَةُ رَبَّةُ البَيتِ تَصُبُّ الخَلَّ في الزَيتِ
لَها عَشرُ دَجاجاتٍ وَديكٌ حَسَنُ الصَوتِ ٠
٠٠٠٠٠٠
في هذا اللقاء نعيش ساعة مع بشار بن برد الذي تصدر ساحة الشعر بين العصر الأموي و العباسي و أجادت قريحته بالتصوير و التشبيه و الألوان و الغزل و الحكمة في لغة رصينة و أخيلة خصيبة و إيقاعات جميلة برغم أنه أعمى، و من ثم استحق هذه المنزلة عن جدارة هكذا ٠٠٠
إِذَا وُلِدَ المَولود أعمى وجَدْتَه
وجدكَ أهدى من بصيرٍ وأجولا
عمِيتُ جَنِينا والذكاءُ من العَمَى * فجئتُ عجيبَ الظن للعِلم مَعْقِلا *
وغَاضَ ضياءُ العينِ للقلب فاغْتَدَى ٠
* نبذة عن بشار بن برد :
هو بشار بن برد بن يرجوخ، وُلد بالبصرة في أوائل العقد العاشر من القرن الأول الهجري، وهو فارسي الأب ورومي الأم ولدته أمه أعمى فلم يرَ الدنيا أبدًا، نشأ عند بني عقيل وأعانته هذه النشأة على تعلُّم اللغة العربية، فاتجه إلى المساجد وحلقات العلم والشعر حتى اعتاد لسانه على الشعر وهو ابن العاشرة، وهو شاعر من شعراء العصر العباسي الأول.
وهو إمام الشعراء المولدين ٠
وكان مولعًا بالاختلاف إلى الأعراب المخيمين ببادية البصرة، فشب فصيح اللسان صحيح البيان ولذا كان آخر من يحتج النحاة بشعرهم من الشعراء.
شهد أفول الخلافة الأموية وقيام العباسيين وتوفى فى عصر المهدى ٠
نبغ بشار بن برد في الشعر من سنّ السابعة ومال في ذلك الوقت إلى شعر الهجاء حتى شكا منه الناس لوالده فضربه ضربًا مبرحًا، ولما بلغ الحلم كان قويًا مُجيدًا للشعر فبلغ قدره وصيته بين الشعراء، وكان ثقيلًا يخشاه الناس، وأجمع النقاد القدامى والمحدثين على أنّه شاعر مطبوع لا يكلف نفسه المشقة والعناء في قول الشعروإنما يرتجل ارتجالًا، ويعود ذلك إلى حياته البدوية التي بدت واضحة على شعره، وعُرف بشار بالذكاء الشديد الذي ليس له نظير، واتفق الشعراء والنقاد على أنّ بشارًا رئيس طبقة المحدثين، ويعد شعره وسطًا بين الشعر القديم والحديث في خلوه من التعقيد وسلامته من الخلل.
٠٠٠٠٠
من راقب الناس لم يظفر بحاجته وفاز بالطيبات الفاتك اللهج ٠
وقد أخذ الشاعر سلم الخاسر تلميذ بشار المعنى في ألفاظ أبسط فقال:
من راقب الناس مات غما وفاز باللذة الجسور
و قد قال تلميذه سلم الخاسر :
كان بشار معجبا ببيته جدا وحين سمع ببيت "سلم" قال:
أوخ، ذهب والله بيتي ٠
***
وقد عشق بشار بن برد امرأة يقال لها عبدة يقول فيها:
يزهدني في حب عبدة معشرٌقلوبُهم فيها مخالفَة ُ قَلبيفقلتُ دعوا قلبي بما اختارَ وارتَضىفبالقلبِ لا بالعينِ يبصرُ ذو اللبِّوما تبصر العينان في موضعِ الهوىولا تسمع الأذنان إلا من القلبوما الحسنُ إلاّ كل حسنٍ دعا الصباوألف بين العشق والعاشق الصبِّ
يشكو الم الوجد وشجن الصبابة وأرق العشاق ٠
* حكايته مع ربابة :
------------------------
ربابة ربة البيت / تصب الخل في الزيت ٠
كانت له خادمة اسمها رباب أشتكت له مراراً أن كلماته لا تستطيع أن تفهمها وطلبت منه أن يكتب فيها شعراً تفهمه فقال :
رَبابَةُ رَبَّةُ البَيتِ تَصُبُّ الخَلَّ في الزَيتِ
لَها عَشرُ دَجاجاتٍ وَديكٌ حَسَنُ الصَوتِ ٠
بشار هو أنموذج للقصيدة الثائرة على العرف والتقليد، كانت متعته الشخصية تسبق فطرته الشعرية الفصيحة، و من ثم قد جادت قريحته بأروع الأبيات و القصائد من قبل ٠٠.
ولكنه في بساطة ويسر كتب هذه المقطوعة شائعة الشهرة في ربابة و نحن ندرسها في الأدب و البلاغة كنموذج، وقصة الأبيات ترجع إلى ٠٠٠ :
كان من الصعب أن نتقبل أنه يأتى بأبيات مثل “ربابة ربة البيت”، فهو لم يزد عن وصفها بأنها ربة بيت وأن لها عشر دجاجات وديك له صوت ناعم حسن. وقد رضيت بذلك بل ربما أنها طربت له.
وعنها يقول بشار :
لو ذهبتم لربابة وسألتموها أيّ الأبيات لديها أجمل :
قِفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل
أم :
ربابة ربة البيت .. تصب الخل في الزيت…
إنها لن تقول إلا ربابة ربة البيت.
٠٠٠
هذه كانت ساعة مع بشار بن برد حول فحولة شعره وسلامة لغته و قوة تعبيره و جمال تصويره و منطق إيقاعه، فاستحق هذه المنزلة في ديوان العرب الخالد ٠
مع الوعد بلقاء متجدد لتغريدة الشعر العربي أن شاء الله
سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر
سوانح.. بقلم... السعيد عبد العاطي مبارك الفايد

محرر الخبر

1 admin
محرر

شارك وارسل تعليق