لا تقوم المجتمعات إلا بهمم الشباب و طاقاتهم، فهم عمادها وأسباب رفعتها، و هم صناع كرامتها و عزتها، فالشباب بما يملكونه من عنفوان و فتوة و قوة، قادرين على توجيه طاقاتهم وقُدراتهم لنفع الأمة وخدمتها، و قد سجل الشباب في مختلف الأزمنة مواقفا مشرفة في الذود عن الأوطان و في السعي لرفعته وبنائه، حيثُ زخر التاريخ الإسلامي بأمثلة كثيرة كان للشباب فيها دورا رئيسيا و فاعلا و إن مما يؤلم أنْ يرى هؤلاء الشباب في غير طريقهم و دينهم حين ينحرفون و يسلكون مسالك مهلكة وخطيرة، فما مفهوم انحراف الشباب؟ و ما هي أهم أسباب انحرافهم؟ و ما الحلول المناسبة لمعالجة تلك الانحرافات؟
مفهوم انحراف الشباب:
الانحراف لغة بأنه الميل والخروج عن الطريق الصحيح و عن كل ما هو مُعتاد، و يعرف اصطلاحاً بأنه اختراق التوقعات الاجتماعية وا نتهاكها، و الخروج عن المعايير التي يحددها المجتمع و يرتضيها للسلوك و عدم الالتزام بها.
أسباب انحراف الشباب هناك الكثير من الأسباب التي تقود الشباب إلى طريق الانحراف، منها:
الفقر : يقود لحالة من عدم الاستقرار الاجتماعي و الحرمان الاقتصادي و التي تقود لمجموعة من المشاكل الاجتماعية التي تهدد الأسرة؛ مما تسبب ابتعاد الأبوين عن أبنائهم، و بالتالي يكون قد شكل عقبة في وجه التنشئة والتربية المثلى؛ مما ينتج عن أفراد ذوي سلوكات مُنحرفة.
ضعف التوازع الديني : إذ إن الشباب الذي تخلى أو ابتعد عن تعاليم دينه وشرعه سيقع بلا شك في الانحراف بشكل أكبر من الشباب الذي تمسك بها؛ لكون الدين أحد الأسباب التي تعزز مجال الأخلاق و القيم في نفس الإنسان، كما تُنحيه عن طريق الرذيلة و الفواحش وكل ما يمكن أن يؤذي و يزعج المُجتمع و الأفراد لوجود محاذير شرعية تنحي الفرد عن الوقوع بمثل هذه الرذائل.
الفراغ : إذا فرغ المرء و لم يجد ما يفعله، فسيكون وقوعه في الانحراف أسهل ممن يشغل وقته بما يفيد، و لهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ).
أصدقاءُ السوء: تزيد احتمالية انحراف الشباب إذا كان أصدقاؤهم كذلك، وقد بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مدى أثر الرفيق في قوله: (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك و نافخ الكير، فحامل المسك، إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير، إما أن يحرِق ثيابك، وإمَا أن تجد ريحا خبيثة).
فساد والدي الإنسان أو أحدهما : يجب على المرء أن يختار شريكا صالحا ليشاركه حياته وتربية أولاده، فإن أخلاق الوالدين وتعاملهما وقيمهما تؤثران على الأبناء؛ إذ إن الطفل يولد على الفطرة، وسلوك والديه هو ما يؤثر به بالإيجاب أو السلب، وفي ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود إلا يولد علَى الفطرة، فأبواه يهودانه أوْ ينصرانه ، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسُنَ فيها مِن جدعاء).
اليتم: عندما يفقد الإنسان والده الذي كان يرعاه و يدبر أموره و أسباب معيشته سيزوره الهم و الفقر والغم؛ مما قد يدفعه لكثير من السلوكات السيئة كالسرقة وبيع المخدرات وغيرها، وبالتالي يؤدي إلى طريق الانحراف.
كثرة المال: لا يعرف بعض الشباب مقدار النعمة التي هم فيها في حالة الغنى، فيقومون بتبذير المال و إنفاقه بإسراف فيما لا يفيد، و قد يكون هذا أحد أسباب انحرافهم .
الحرية المطلقة: عندما يمارس الشباب حريتهم بشكلٍ مطلق و غير مسؤول، فإن عواقب الأمور تكون وخيمة، فهم يظنون أن معنى الحرية يتجسد في قول و فعل ما يشاؤون، وفي الخروج و الدخول دون رقيب، و في لبس وصرف ما يُريدون، و لا يدرون أن هذه المفاهيم الخاطئة مؤدية لطريق الانحراف.
حلول انحراف الشباب بعد طرح كل هذه الأسباب المؤدية لانحراف الشباب، فلا بُد من إيجاد حلول منطقية تعيد الشباب لطريقهم الصحيح و السليم و النافع لمجتمعهم، و من أبرز هذه الحلول ما يلي: تأسيس الفرد و تربيته منذ طفولته على مكارم الأخلاق والفضائل والقيم التي تقيهم من الخوض في طريق الانحراف عبر تظافر جهود مختلف المؤسسات التربوية و الاجتماعيّة كالأسرة والمدرسة؛ حيث تقع مسؤولية تنشئة هذا الجيل على هذه المؤسسات أساسا ، فالأسرة التي تعاني حالة من التوتر و المشاكل، و المدرسة التي تنتشر فيها أساليب القوة و العنف في التعليم هي بيئات تشعر الفرد بالظلم والضياع نتيجة إحساسه بفقدان المسؤولية و القيمة الاجتماعية؛ مما يؤدّي به للانتقام باتخاذ مناح منحرفة، إنشاءُ خُطّة محكمةٍ تُشرف عليها الدّولة، والمؤسسات الدينية و التربوية و الاجتماعية، و تتبناها لدعم الشّباب و الاهتمام بهم و النهوض بطاقاتهم و توجيهها نحو خدمة المجتمع ونفعه