((( رمضان شهر الإرادة ٠٠ !! / عملاق الأدب عباس العقاد )))
نعم في البداية الحديث عن ذكريات شهر رمضان ذو شجون و لم لا فهو شهر الصيام و القيام و القرآن العظيم حيث الفضائل و المناقب التي لا تحصي ٠٠٠
و من ثم كانت لي بعض هذه الملاحظات المتواضعة من خلال الوقفات ، و مما لا شك فيه و لا جدال نجد المفكريين و الأدباء و المبدعين لهم نظرات تأملية فلسفية مختلفة ، و ذات رؤية بعيدا عن الوعاظ و الشيوخ الذين يلتزمون بالنص و ما حوله هكذا ، فأهل الفكر و الأدب ينطلقون من تفاعل حقيقي مع القيم إلي دلالات جمالية في إطار رسالة إنسانية ٠٠
* يقول المفكر المصري و العربي الكبير عباس محمود العقاد
عن هذا الشهر الفضيل ،
في مقاله تحت عنوان -
رمضان شهر الإرادة! :
رمضان شهر الإرادة !
======
" إن الإرادة لازمة في كل تكليف وفي كل تبعة وفي كل فضيلة، فلا قوام للفرائض والفضائل جميعاً بغير هذه الإرادة.
وهي لازمة للفقير لزومها للغني، فإن كان أحدهما أحوج إليها من الآخر فهو الفقير، لأن الغني قد يجد عنده ما يعوض التفريط في أعمال الإرادة والعزيمة والحزم والمضاء،
وليس هذا العوض ميسوراً للفقير إلا بزيادة الجهد والعناء.
الإرادة إذن هي فضيلة الفضائل في الصيام.
فليس من أدب رمضان أن يتململ الصائم وأن يتجهم لمحدثيه وأن يبدو منه ما يدل علي الضيق بالفريضة كأنه مكره عليها مطيع لها بغير رضاه.
وليس من أدب رمضان أن يهرب الصائم من إرادته بقضاء النهار كله في النوم تاركاً الطعام، لأنه غافل عن مواعيده غير منتبه إليه.
وليس من أدب رمضان أن يفلت زمام الإرادة بعد غروب الشمس فلا يعرف الصائم له إرادة تصده عن الإفراط في الطعام والشراب إلي موعد الإمساك.
وليس من أدب رمضان أن يصوم الإنسان وهو معرض للتهلكة بصيامه فإن من كان مريضاً لم تجب الفريضة عليه ولا معني لأداء الفريضة إذن، إلا أنه يريد لنفسه الهلاك، وهذا محرم عليه.
كلمة «الإرادة» وحدها تلخص آداب رمضان ولا تحتاج إلي إسهاب في تفسيرها وتعديد أنواعها.
ومزية رمضان أنه فريضة اجتماعية مع فرضه علي آحاد المكلفين، فهو موعد معلوم من العام لترويض الجماعة علي نظام واحد من المعيشة وعلي نمط واحد من تغيير العادات،
وليس أصلح لتربية الأمة من تعويدها هذه الأهبة للنظام ولتغيير العادات شهراً في كل سنة، تتلاقي فيه علي سنن واحد في الطعام واليقظة والرقاد وما يستتبع ذلك من أهبة الجماعة كلها لهذا الشهر خلال العام.
وإذا استطاعت الجماعة أن «تريد» ذلك التنظيم وذلك التغيير، فليس ثمة نمط من أنماط المعيشة، لا تستطيعه علي هذا المثال في الشدة أو الرخاء.
رمضان شهر الإرادة
أدبه أدب الإرادة،
وحكمته حكمة الإرادة،
وليست الإرادة بالشيء اليسير في الدين والخلق،
فما الدين وما الخلق إلا تبعات وتكاليف،
وعماد التبعات والتكاليف جميعاً أنها تناط بمريد.
ومن ملك الإرادة فزمام الخلق جميعاً في يديه " .
نشر هذا المقال في مجلة الهلال مايو 1955
***
و في النهاية نجد تراث العقاد؛ الفكرى الأدبى والإسلامى، تراث عريض ممتد، جاء نتاج ثقافة غزيرة عميقة قل أن تتوافر لآحاد الناس؛ كتب فى جوانب الفكر الإسلامى؛ تفسيرا وحديثا وتشريعا وأصولا وتراجم ولم يترك فرعا من الفروع أو علما من العلوم لم يترك فيه رسالة وافية أو مقالة شافية أو كتابا محيطا بموضوعه.
و قد جمع العقاد مقالاته التى كتبها عن «رمضان»، و«الصيام»، و«ليلة القدر»، و«الأعياد الدينية» فى كتابه الجميل الممتع «عالمية الإسلام» ٠
كل عام وحضرتكم بخير رمضان كريم ، مع الوعد بلقاء متجدد أن شاء الله ٠