الأحد, 27 نوفمبر 2022 06:53 صباحًا 0 311 0
صباح ... عندما غادرت الآنسة ماما شارع الحب!
صباح ... عندما غادرت الآنسة ماما شارع الحب!

 

 

بقلم الدكتور ناصر عراق

 

* قنابل الحرب العالمية الثانية وصواريخها تمنح صباح صك النجاح المدوي!

 

* صباح معشوقة الرجال على الشاشة طوال 35 عامًا، وهو ما لم يحدث لممثلة أخرى

 

* عشقها أنور وجدي المولود عام 1904، وذاب في هواها حسين فهمي المولود سنة 1940 

 

ثماني سنوات مرّت اليوم على غياب الفنانة الفاتنة صباح، فبرحيلها فجر 26 نوفمبر 2014 أُسدل الستار على عصر ساحر من الفن الرائع، وفقدت الأغنية العربية واحدة من أهم المطربات والمطربين الذين أخلصوا لها وطوروها تطويرًا لافتا.

 

 برحيل صباح أيضا خسرت السينما المصرية أكثر المطربات اللاتي ملأن شاشاتها بالبهجة والفرح والمسرة، فصباح منذ وصلت إلى القاهرة للمرة الأولى بدعوة من ابنة بلدها لبنان المنتجة آسيا داغر لتشارك في بطولة فيلم (القلب له واحد/ 1945)، وهي تعد الأيقونة الأكثر فتنة للسينما الاستعراضية، فقد شاركت فريد الأطرش ومحمد فوزي وسعد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ ومحمد سلمان ثم محرم فؤاد بطولة أفلام مترعة بالشقاوة والفكاهة وخفة الظل، كما لعبت أدوارًا مهمة في أفلام أخرى اجتماعية وبوليسية، ومن ينسى (بلبل أفندي/ الليل لنا/ الحب في خطر/ الآنسة ماما/ خطف مراتي/ ثورة المدينة/ لحن حبي/ ازاي انساك/ شارع الحب/ العتبة الخضراء/ مجرم في إجازة/ الرجل الثاني/ الرباط المقدس/ الأيدي الناعمة) وغيرها، فضلا عن الأفلام التي قامت ببطولتها في لبنان إثر تراجع الإنتاج السينمائي في مصر عقب هزيمة 1967، ويقال إن رصيدها في بنك السينما بلغ 83 فيلمًا. 

 

صباح والسينما والحرب العالمية الثانية

 

جاءت صباح من بلاد الأرز إلى القاهرة محملة بالنسيم العليل والروح الطازج، فالمنتجة آسيا داغر تدرك تمامًا - بذكائها الفني وحسها التجاري - أن السينما المصرية في حاجة إلى وجه جديد بعد انتهاء سنوات الحرب العالمية الثانية رسميًا عام 1945.. وجه يشع بالحلاوة ويمجد الحياة، في مقابل انتشار أخبار الموت في الحرب.. وجه يعلن للمصريين أن الحياة حلوة تستحق أن تعاش برغم الغارات والقنابل والصواريخ! وأن على الناس الذين بلغ عددهم 18 مليون نسمة آنذاك أن تعي أن الحي أبقى من الميت، وأن السينما، مصنع السعادة، ينبغي أن تسترد عافيتها مرة أخرى بعد ركود مخيف، إذ انخفض الإنتاج السينمائي فترة الحرب بصورة مؤسفة، ففي عام 1943 لم يعرض سوى 14 فيلمًا فقط، رغم أن العام السابق 1942 شهد عرض 21 فيلمًا، بينما السنة التي أضاءتها صباح بحضورها للمرة الأولى، وهي سنة 1945، ارتفع فيها الإنتاج السينمائي بشكل ملحوظ ليبلغ عدد الأفلام المعروضة ساعتها 40 فيلمًا، وفي العام التالي، 1946، واصل الرقم ارتفاعه ليصل إلى 51 فيلمًا، أي أن السوق السينمائي انتعشت بشدة، وأضحت في حاجة إلى وجوه جديدة تنير الشاشة البيضاء في الظلام.

 

هكذا إذن استقبلت السينما المصرية بترحاب الفتاة ذات الثامنة عشر ربيعًا (صباح ولدت في 10 نوفمبر 1927)، إذ أسندت لها بطولة أول أفلامها (القلب له واحد)، الذي حققه بركات عام 1945، وشاركها البطولة أنور وجدي، وعلى الفور تهافت عليها المخرجون والمنتجون، كما أن آسيا تعاقدت معها على ثلاثة أفلام دفعة واحدة. 

 

تجلت صباح بشكل واضح في الأفلام الاستعراضية التي شاعت مع الأربعينيات تأثرًا بالسينما في هولويود في ذلك الوقت ونجومها فريد إستير وجين كيلي وإستر ويليامز، وهكذا رأيناها تغني مع فريد الأطرش ومحمد فوزي في (بلبل أفندي/ الحب في خطر/ الآنسة ماما/ ثورة المدينة). 

 

في هذه الأفلام تلوح لنا صباح فتاة جميلة ذات وجه بشوش وقوام أنثوي طازج وصوت يشع بالطرب والحلاوة، أما أداؤها التمثيلي فيتصف بالتلقائية والدلال والبراءة، لكن مع مرور الزمن وتطور فنون السينما، تمكنت صباح من تطوير أدائها السينمائي كما لاحظنا في فيلمي (شارع الحب/ الرجل الثاني) اللذين أنجزهما عز الدين ذو الفقار. 

 

في الفيلم الأول لاحت صباح امرأة كاملة الأنوثة.. تعشقها الكاميرا فتبرز مفاتنها وتفخر بأناقتها.. كما تهوى هي العبث والمناكفة مع قرينتها منيرة سنبل، لكنها تقع في غرام عبد الحليم، فيأكلها الندم لأنها جرحته وعبثت بمشاعره. تأمل حالاتها النفسية المتنوعة بين العبث والعشق والندم، لتكتشف أنها حملت بين ضلوعها موهبة تمثيلية متميزة ومقبولة. 

 

كذلك الأمر في فيلم (الرجل الثاني)، إذ يحتفي بها المخرج ويدير موهبتها بحصافة فيفجر طاقات التمثيل داخلها، ولعلك تذكر كيف تلقت خبر مقتل شقيقها، وكيف تعاملت مع الهوس الجنسي لرشدي أباظة بها وكيف راوغت رغبته المتأججة، وكيف عبرت عن شعورها بالأمان تجاه صلاح ذو الفقار.

 

صباح معشوقة الرجال لمدة ثلث قرن!

 

حققت صباح أغرب إنجاز لفنانة في تاريخ السينما المصرية من حيث قدرتها على أن تظل امرأة معشوقة طوال 35 عامًا متواصلة، فقد هوى في هواها أنور وجدي المولود عام 1904، وذلك في فيلمها الأول (القلب له واحد) الذي عرض سنة 1945 كما سبقت الإشارة، وظل نجوم السينما يطاردون أنوثتها طوال الأربعينيات والخمسينيات والستينيات والسبعينيات حتى وصلنا إلى حسين فهمي (المولود عام 1940)، عندما شاركته بطولة آخر أفلامها (ليلة بكى فيها القمر) وعرض عام 1980. 

 

بالنسبة لي تعد صباح أول من أشعلت ذكورتي من النجمات في فترة المراهقة، كما أن صوتها المترع بالحلاوة والعنفوان هو الأفضل، مع فايزة أحمد، بين كل الأصوات النسائية، وبالطبع أم كلثوم خارج أي مقارنة. 

 

باختصار شديد.... صباح كانت أيقونة السينما المرحة.. البريئة.. الدافئة.. الجميلة... لروحها السلام.

 

* فصل من كتابي (السينما المصرية… 50 عامًا من الفرجة).

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر
صباح ... عندما غادرت الآنسة ماما شارع الحب!

محرر الخبر

1 admin
محرر

شارك وارسل تعليق